عنوان کتاب : التصحیف فی متن الحدیث
تحقیق : حیدر مسجدی
قطع : وزیری
جلد : 1
نوبت چاپ : اول
تاریخ انتشار : 1390
ناشر : سازمان چاپ و نشر دارالحدیث جستجو در Lib.ir

التصحیف فی متن الحدیث

الحمد للَّه ‏ربّ العالمين، وصلّى اللَّه على أشرف الأنبياء والمرسلين محمّدٍ وآله الطيّبين الطاهرين، واللعن على أعدائهم أجمعين إلى يوم الدين.

الهدف الأساسي الذي تبغيه جميع الشرائع السماوية والأديان الإلهيّة على كثرتها، هو تكميل البشريّة وسوقها نحو السموّ والكمال، ومنحها سعادة الدارين؛ دار الدنيا والفناء، ودار الآخرة والبقاء. وقد جاءت هذه الشرائع بشكلٍ متتالٍ، فكلّما جاءت شريعة نسخت سابقتها؛ لأنّ كلّ شريعة أكمل من سابقتها، فهي تسمو بالإنسانيّة إلى درجة أعلى وأسمى.

و بما أنّ الدين الإسلاميّ الحنيف خاتمة الأديان الإلهيّة، فهو أشرفها وأفضلها وأتمّها، فهو الدين الذي يبدي للبشرية منهجها في شتّى مجالات الحياة الفرديّة والاجتماعيّة والسياسيّة والاقتصاديّة والعسكريّة، ويعالج مشاكل الحياة في مختلف المجالات وعلى شتّى المستويات. بل لا نجد شيئاً عظيماً كان أم حقيراً إلّاوللشرع الإسلامي فيه رأي، ومن هنا ورد في الروايات الشريفة:

۱. عن عَليٍّ، عَن مُحَمَّدِ بنِ عيسى، عَن يونُسَ، عَن حُسَينِ بنِ المُنذِرِ، عَن عَمرِو بنِ قَيسٍ الماصِرِ، عَن أَبي جَعفَرٍ عليه السلام قالَ:

إِنَّ اللَّهَ تَبارَكَ وَتَعالى لَم يَدَع شَيئاً تَحتاجُ إِلَيهِ الأُمَّةُ إِلى يَومِ القيامَةِ، إِلّا أَنزَلَهُ في كِتابِهِ وَبَيَّنَهُ‏

لِرَسولِهِ صلى الله عليه و آله، وَجَعَلَ لِكُلِّ شَي‏ءٍ حَدّاً، وَجَعَلَ عَلَيهِ دَليلًا يَدُلُّ عَلَيهِ، وَجَعَلَ عَلى مَن تَعَدّى الحَدَّ حَدّاً.[۱]

وورد فيها أيضاً:

۲. عَن مُحَمَّدِ بنِ يَحيى، عَن أَحمَدَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عيسى، عَن عَليِّ بنِ حَديدٍ، عَن مُرازِمٍ، عَن أَبي عَبدِ اللَّهِ عليه السلام قالَ:

إِنَّ اللَّهَ تَبارَكَ وَتَعالى أَنزَلَ في القُرآنِ تِبيانَ كُلِّ شَي‏ءٍ، حَتّى- وَاللَّهِ- ما تَرَكَ اللَّهُ شَيئاً يَحتاجُ إِلَيهِ العِبادُ؛ حَتّى لا يَستَطيعَ عَبدٌ يَقولُ: لَو كانَ هذا أُنزِلَ في القُرآنِ، إِلّا وَقَد أَنزَلَهُ اللَّهُ فيهِ.[۲]

فنجده قد ضمّ العبادات والمعاملات معاً، كما أوضح آداب الحياة على مستوييها الفردي والاجتماعي؛ فعلّمنا آداب المعاش وطلب الرزق، وآداب الطعام والشراب والنظافة والمنام والكلام وغيرها[۳]، مراعياً في ذلك كلّه خصوصيات الأفراد، فذكر للكبير آداباً تختلف عن الصغير، وللمرأة آداباً تختلف عن الرجل، وللشيخ آداباً تختلف عن الشاب، وهكذا.

كما وضع لنا آداباً للمعاشرة والحياة الاجتماعية في أوساط المجتمع، والسيرة مع الأهل والولد، والصديق والعدوّ، والمسلم والكافر، والموافق في المذهب والمخالف له، وسيرة الأمير مع الرعيّة، وبالعكس، وبيّن لكلّ طائفة واجباتها وحقوقها. ومع ذلك فقد قنّن أحكاماً جزائية تحول دون تعدّي الأفراد على حقوق الآخرين، فشرّع الحدود والتعزيرات.

فالإسلام له سعة وشمولية بحيث تمتدّ جذوره إلى شتّى مجالات الحياة الفرديّة

______________________________
(۱). الكافي: ج ۷ ص ۱۷۵ ح ۱۱، و ج ۱ ص ۵۹ ح ۲.

(۲). الكافي: ج ۱ ص ۵۹ ح ۱.

(۳). لمزيد الاطّلاع راجع أبواب الكافي، ولملاحظة بعض الآداب الواردة في الأحاديث راجع أبواب العِشرة منه، الكافي: ج ۲ ص ۶۳۵.

والاجتماعية والأخلاقية والسياسية والعسكرية، وعلى مختلف المستويات، وعلى جميع الأصعدة، وهذا ممّا لا ريب فيه. إنّما المهمّ هو تطبيق هذه التعاليم والمفاهيم السامية.

من جانب آخر فإنّ الذي يوصل لساحل النجاة والهداية، ويرقى بالإنسان نحو الكمال، هو خصوص ما شرّعه اللَّه سبحانه وتعالى؛ لأنّه بارئه والعالم بما يصلحه ويفسده، فما كان من التعاليم متّصلًا باللَّه سبحانه- وذلك بأن يكون من قبل الأنبياء والمرسلين وأوصيائهم (صلوات اللَّه عليهم أجمعين)- فهو الحقّ والصواب، وفيه الرشد والكمال، وأمّا ما سواه فلا يصل بنا إلى ساحل النجاة والهداية، قال تعالى:

«وَأَنَّ هذَا صِرَ طِى مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ‏ ذَ لِكُمْ‏ وَصَّل- كُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ»[۴].

فمن أراد النجاة لزمه أن ينهل من عين الشريعة الصافية؛ وهي الكتاب الكريم، وما سنّه النبي الأمين صلى الله عليه و آله، فهما الحجّة علينا. أمّا الكتاب الكريم فهو بين أيدينا، وأمّا ما سنّه النبي فلا سبيل لنا لمعرفته إلّاعن طريق الأحاديث الحاكية له، ولهذا فإنّ حاجتنا للحديث ماسّة.

من جهةٍ أُخرى فإنّ النبي صلى الله عليه و آله لم يترك الأُمّة بعده سدىً، وإنّما خلّف بعده أوصياء معصومين، هم الذين يبيّنون ويحفظون الكتاب والسنّة، فأوصى الأُمّة بالتمسّك بهم إلى جانب القرآن الكريم، كما ورد في حديث الثقلين المروي في كتب الفريقين.

فروى الحافظ ابن عقدة وغيره عن جابر بن عبد اللَّه الأنصاري أنّه قال:

۳. كُنّا مَعَ النَّبيِّ صلى الله عليه و آله في حِجَّةِ الوَداعِ، فَلَمّا رَجَعَ إِلى الجُحفَةِ نَزَلَ، ثُمَّ خَطَبَ النّاسَ فَقالَ:

... إِنّي لَكُم فَرَطٌ، وَأَنتُم وارِدونَ عَليَّ الحَوضَ، وَإِنّي مُخَلِّفٌ فيكُمُ الثَّقَلَين إِن تَمَسَّكتُم بِهِما لَن تَضِلّوا؛ كِتابَ اللَّهِ وَعِترَتي أَهلَ بَيتي، وَإِنَّهُما لَن يَفتَرِقا حَتّى يَرِدا عَلَيَّ الحَوضَ.[۵]

______________________________
(۱). الأنعام: ۱۵۳.

(۲). الاستيعاب: القسم الثالث ص ۱۰۹۹ الرقم ۱۸۵۵، تهذيب الكمال: ج ۲۰ ص ۴۸۴ الرقم ۴۰۸۹، تهذيب التهذيب: ج ۷ ص ۲۹۶، الغدير: ج ۱ ص ۲۱.

فليس لمن يتحرّى الهداية سبيل دون التمسّك بالقرآن والعترة؛ فكلّ ما سواهما ضلال مبين، قال تعالى: «فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقّ إِلَّا الضَّللُ»[۶]. ومن الواضح أنّ معنى التمسّك بهما هو السير على جادّتهما، والاستنارة بهديهما، والعمل وفقاً لما يرشدان إليه.

أمّا إرشادات الكتاب فهي بين أيدينا، وأمّا إرشادات النبي وأهل بيته عليهم السلام فالذي يبيّنها لنا هو الأحاديث الشريفة، والتي نُقلت إلينا بوسائط عديدة عبر اثني عشر قرناً أو أكثر، وهذا ما جعلها في معرض التأثّر بمؤثّرات مختلفة، مع غضّ النظر عن الدواعي والأسباب لتلك المؤثّرات، فقد تعرّضت خلال هذه الفترة للدسّ والتحريف والتصحيف وغيرها.

ولهذا فإنّ المتعاطي مع الحديث بحاجة ماسّة لعلاج كلّ واحدة من المذكورات؛ كي يستطيع ريّ غليله وظمئه من هذه العين الصافية. ولا شك أنّ رفعها يتطلّب سبلًا علمية منسجمة مع الواقع الذي نُقل فيه الحديث إلينا، ودراستها بلحاظ العوامل المؤديّة لذلك.

ومن أبرز تلك الآثار هو التصحيف الطارئ على الحديث جرّاء نقله من كتابٍ إلى آخر، ومن نسخةٍ إلى أُخرى، فلابدّ من علاجه ورفعه كي يتسنّى لنا العمل به، وإلّا فإنّنا سنعمل بما نتصوّر أنّه هو المطلوب منّا، مع أنّ المطلوب غيره.

الكتاب الذي من يديك أيّها القارئ الكريم هو محاولة متواضعة لعلاج التصحيف الطارئ على الحديث، على أمل أن يكون وافياً شافياً وينبغي التنبيه على أنّنا سنعالج خصوص التصحيف الطارئ على متن الحديث، وأمّا سند الحديث فنحن لا ننكر ضرورة البحث عن التصحيف الطارئ عليه، وإنّما نقول: إنّ البحث المذكور بحث رجالي، وله متطلّباته الخاصّة في بعض المجالات، فلا ينبغي خلطه بالتصحيف الطارئ على متن الحديث. وعلى سبيل المثال فإنّ الأُمور الكاشفة عن‏

______________________________
(۱). يونس: ۳۲.

وقوع التصحيف في المتن تختلف- بالمرّة- عن الأُمور الكاشفة عن وقوعه في السند، كما أنّ سبل علاج كلّ منهما تختلف عن الآخر، ولهذا نرى ضرورة بحث التصحيف الطارئ على السند بشكلٍ مستقلّ وفي كتاب خاصّ، علماً أنّ السيّد البروجردي رحمه الله قد تعرّض في كتاب ترتيب الأسانيد للتصحيفات الطارئة على أسانيد الكافي، فلابدّ من لحاظه وتتميم البحث في الجوانب المتبقية.

وفي المقام تساؤلات عديدة بحاجة إلى إجابة، نعرضها فيما يلي:

السؤال الأوّل: ما الفائدة من معرفة التصحيف الطارئ على الحديث؟ سيّتضح الجواب على هذا السؤال في الفصل الثاني من هذا الكتاب إن شاء اللَّه.

السؤال الثاني: ما هي جذور التصحيف؟ ولماذا يطرأ التصحيف والخطأ على الحديث، خصوصاً مع منزلة الحديث السامية والتي تتطلّب الدقّة والاهتمام؟

خصّصنا الفصل الثالث من هذ الكتاب لبيان جذور التصحيف في الحديث الشريف، أو الأُمور الباعثة على وقوع المحدّث وناسخ الحديث في التصحيف والخطأ.

و إذا ما أردنا أن نضفي على البحث صبغة عملية، فلابدّ من الجواب على سؤال آخر أيضاً؛ لأنّ معرفة جذور التصحيف قد لا تنفع المتعاطي مع الحديث عملياً؛ لعدم معرفته بمضانّها في الحديث، فلابدّ من بيان الأُمور الكاشفة عن وقوع التصحيف في الحديث، ولهذا نواجه السؤال التالي:

السؤال الثالث: ما هي الأُمور الكاشفة عن وقوع التصحيف؟

سنبحث ذلك في الفصل الرابع من هذا الكتاب إن شاء اللَّه.

وبعد هذا كلّه فإنّ المهمّ للمتعاطي مع الحديث هو معرفة النسخة الصحيحة من بين نسخ الحديث؛ كي يعمل على ضوئها، وإلّا فإنّ معرفته بطروء التصحيف على بعض نسخ الحديث الواحد لا يجديه نفعاً؛ لأنّه لا يوصله لساحل النجاة، ولا يمكنه العمل به ما لم يعرف النسخة الصحيحة من بين النسخ العديدة. من هنا يبدو من الضروري بيان كيفية معرفة النسخة الصحيحة من بين النسخ، ومراحل علاج‏

التصحيف، ولهذا ينبغي الجواب على سؤال آخر:

السؤال الرابع: ما هي مراحل علاج التصحيف؟

سيوافيك الجواب على هذا السؤال في الفصل الأخير من هذا الكتاب بعونه تعالى.

شكر و تقدير

انطلاقاً من مبدأ: «مَن لَم يَشكُرِ المُنعِمَ مِنَ المَخلوقينَ لَم يَشكُرِ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ»[۷] أرى لزاماً عليَّ أن أتقدّم بالشكر والثناء لجميع أساتذتي الأجلّاء، وخصوصاً سماحة السيّد محمّد كاظم الطباطبائي (حفظه اللَّه)، وسماحة الشيخ الدكتور رحمان ستايش (دام عزّه)، وسماحة الشيخ محمّد إحساني فر (وفّقه اللَّه)، وسماحة الشيخ الدكتور رضا برنجكار (أدام اللَّه توفيقه)؛ حيث أفادوني بملاحظاتهم القيّمة.

كما أخصّ بالذكر أُستاذي المعظّم سماحة آية اللَّه السيّد أحمد المددي (دام ظلّه) الذي أبان أثناء دروسه في البحث الخارج أُموراً بالغة الأهمّية في المنهج الصحيح للتعامل مع الحديث الشريف، ومعرفة النسخة الصحيحة من بين نسخ الحديث الواحد.

كما أتقدّم بالثناء الجميل والشكر الجزيل لكافّة الإخوة الذين ساهموا بملاحظاتهم في كمال هذا الكتاب، وأسأل اللَّه تعالى أن يوفّقهم جميعاً لمراضيه، وأن يجعل هذه الملاحظات والإرشادات ذخراً لهم‏ «يَوْمَ لَايَنفَعُ مَالٌ وَ لَابَنُونَ* إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ»[۸]، وأن يشركهم في أدعيتي وصالح أعمالي إنّه حميد مجيد.

 

[۱] ( ۱). الكافي: ج ۷ ص ۱۷۵ ح ۱۱، و ج ۱ ص ۵۹ ح ۲.

[۲] ( ۲). الكافي: ج ۱ ص ۵۹ ح ۱.

[۳] ( ۳). لمزيد الاطّلاع راجع أبواب الكافي، ولملاحظة بعض الآداب الواردة في الأحاديث راجع أبواب العِشرة منه، الكافي: ج ۲ ص ۶۳۵.

[۴] ( ۱). الأنعام: ۱۵۳.

[۵] ( ۲). الاستيعاب: القسم الثالث ص ۱۰۹۹ الرقم ۱۸۵۵، تهذيب الكمال: ج ۲۰ ص ۴۸۴ الرقم ۴۰۸۹، تهذيب التهذيب: ج ۷ ص ۲۹۶، الغدير: ج ۱ ص ۲۱.

[۶] ( ۱). يونس: ۳۲.

[۷] ( ۱). عيون أخبار الرضا عليه السلام: ج ۲ ص ۲۴ ح ۲، وسائل الشيعة: ج ۱۶ ص ۳۱۳ ح ۲۱۶۳۸.

[۸] ( ۲). الشعراء: ۸۹.